أثر الاحتراق الوظيفي على أداء العاملين في المراكز الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية

مقدمة

الاحتراق الوظيفي ظاهرة تؤثر سلبًا على الأداء الوظيفي وتساهم في تدني مستوى الرضا الوظيفي والرفاهية النفسية للعاملين. يتزايد التركيز على دراسة الاحتراق الوظيفي، خاصة في قطاعات حساسة كالمراكز الاجتماعية التي تتطلب مستويات عالية من التعاطف والتفاعل الإنساني. في هذا السياق، تأتي دراسة الدكتورة موضى شليويح العنزي لتسلط الضوء على العلاقة بين الاحتراق الوظيفي وأداء العاملين في المراكز الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية. هذه المراكز تلعب دورًا مهمًا في تقديم الدعم للمجتمع، مما يجعل فهم العوامل المؤثرة على العاملين بها أمرًا ضروريًا لتحسين جودة الخدمات.

الاحتراق الوظيفي في المراكز الاجتماعية

الاحتراق الوظيفي يشير إلى حالة من الإجهاد العاطفي والجسدي الناجم عن ضغوط العمل المستمرة. في المراكز الاجتماعية، يتعامل العاملون مع أفراد من الفئات الأكثر ضعفًا، بما في ذلك الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. هذا النوع من العمل يتطلب جهداً نفسياً ووجدانياً كبيرًا، وقد يؤدي إلى زيادة احتمالية تعرض العاملين للاحتراق الوظيفي.

من خلال الدراسة التي أجرتها الدكتورة موضى العنزي، تم تحديد ثلاثة مكونات رئيسية للاحتراق الوظيفي لدى العاملين في المراكز الاجتماعية: الإجهاد العاطفي، وتبدد الشخصية، وضعف الإنجاز الشخصي. هذه المكونات لها تأثير مباشر وغير مباشر على أداء العاملين، حيث تؤدي إلى تدني مستوى الرضا عن العمل، وزيادة معدلات الغياب، وانخفاض جودة الخدمات المقدمة.

منهجية الدراسة

اعتمدت الدكتورة موضى العنزي في دراستها على منهجية كمية ونوعية، حيث قامت بتوزيع استبيانات على مجموعة من العاملين في المراكز الاجتماعية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية. الاستبيانات كانت مصممة لقياس مستوى الاحتراق الوظيفي، بالإضافة إلى تقييم الأداء الوظيفي من خلال معايير مثل الالتزام، الكفاءة، جودة الخدمة المقدمة، والتفاعل مع المستفيدين.

كما قامت بإجراء مقابلات شبه منظمة مع عدد من العاملين لفهم أعمق للتحديات التي يواجهونها والأسباب التي قد تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي. تم تحليل البيانات باستخدام تقنيات إحصائية مثل تحليل الارتباط والانحدار لتحديد العلاقة بين مستويات الاحتراق الوظيفي ومؤشرات الأداء الوظيفي.

النتائج الرئيسية للدراسة

أظهرت نتائج الدراسة أن هناك علاقة طردية قوية بين مستوى الاحتراق الوظيفي وتراجع أداء العاملين في المراكز الاجتماعية. كلما زاد مستوى الإجهاد العاطفي، كلما كان لذلك تأثير سلبي على قدرة العاملين على تنفيذ مهامهم بكفاءة. كما وجد أن التبدد في الشخصية، والذي يشير إلى تبلد المشاعر وتراجع الحماسة تجاه العمل، يسهم بشكل كبير في فقدان الدافع والتقليل من جودة التفاعل مع المستفيدين.

فيما يتعلق بمكون ضعف الإنجاز الشخصي، أظهرت النتائج أن الشعور بعدم القدرة على تحقيق أهداف ملموسة يؤدي إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس، وبالتالي يؤثر على جودة العمل ويزيد من احتمالية الأخطاء المهنية. العاملون الذين يشعرون بأنهم لا يستطيعون إحداث تأثير إيجابي يعانون من تدنٍ في الأداء ويشعرون بالإحباط، مما ينعكس سلبًا على المستفيدين من الخدمات.

العوامل المؤثرة على الاحتراق الوظيفي

من بين العوامل التي تناولتها الدراسة، أظهرت النتائج أن الضغط الزمني، حجم العمل، نقص الدعم الإداري، وتدني مستوى التدريب المهني تلعب دورًا كبيرًا في زيادة مستويات الاحتراق الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عوامل شخصية مثل طبيعة الشخصية، مستوى التفاعل الاجتماعي، والتجارب السابقة التي ساهمت في تحديد مدى تأثير الاحتراق الوظيفي على كل فرد.

تطرقت الدراسة أيضًا إلى تأثير العوامل البيئية والاجتماعية، مثل بيئة العمل غير الداعمة، ونقص الموارد اللازمة لتنفيذ المهام، مما زاد من شعور العاملين بالعجز وقلة الحيلة. كانت النتائج تشير إلى أن الدعم النفسي والإداري يلعب دورًا حاسمًا في تقليل مستويات الاحتراق الوظيفي.

التوصيات

استنادًا إلى النتائج المستخلصة من الدراسة، قدمت الدكتورة موضى العنزي عددًا من التوصيات لتحسين الظروف الوظيفية وتقليل معدلات الاحتراق الوظيفي بين العاملين في المراكز الاجتماعية، وتشمل:

    1. تحسين بيئة العمل: من خلال توفير موارد كافية وتقليل الضغط الزمني وتخفيف عبء العمل عبر تعيين عدد كافٍ من العاملين.

    1. تقديم الدعم النفسي والإداري: يجب أن يكون هناك تواصل مستمر بين الإدارة والعاملين، بالإضافة إلى توفير جلسات دعم نفسي أو إرشادي لمساعدة العاملين على التعامل مع التحديات العاطفية الناتجة عن طبيعة عملهم.

    1. برامج التدريب والتطوير المهني: تقديم دورات تدريبية مخصصة لتحسين مهارات العاملين في التعامل مع الضغوط وإدارة التوتر، بالإضافة إلى تعزيز مهارات التفاعل الاجتماعي وتقديم الدعم للمستفيدين.

    1. تقدير العمل والاعتراف بالإنجازات: تشجيع العاملين من خلال الاعتراف بإنجازاتهم وتقدير جهودهم يمكن أن يكون له أثر إيجابي على تقليل مستويات الاحتراق الوظيفي وزيادة الدافعية.

    1. التوازن بين العمل والحياة الشخصية: تشجيع سياسات توازن أفضل بين الحياة الشخصية والعمل، مثل مرونة ساعات العمل، يمكن أن يساهم في تقليل الإجهاد المرتبط بالعمل وزيادة الرضا الوظيفي.

الخاتمة

تعتبر دراسة الدكتورة موضى شليويح العنزي خطوة مهمة نحو فهم تأثير الاحتراق الوظيفي على أداء العاملين في المراكز الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية. توضح الدراسة أن الاحتراق الوظيفي لا يؤثر فقط على العاملين نفسياً وجسدياً، بل يمتد تأثيره ليشمل جودة الخدمات المقدمة للمجتمع. تحسين بيئة العمل وتقديم الدعم النفسي والتدريب المستمر للعاملين يمكن أن يساعد في تقليل مستويات الاحتراق الوظيفي وتعزيز جودة الأداء في المراكز الاجتماعية.

من خلال تطبيق التوصيات المستخلصة من هذه الدراسة، يمكن للمراكز الاجتماعية تعزيز كفاءة خدماتها وزيادة رضا العاملين، مما ينعكس إيجابياً على جميع المستفيدين من هذه الخدمات.

Share Buttons